أحداث السويداء- بروفة لسايكس بيكو جديد وتقسيم المقسم؟

المؤلف: حسن أوريد08.22.2025
أحداث السويداء- بروفة لسايكس بيكو جديد وتقسيم المقسم؟

في سياق نقاش حول اضطراب الهويات، تساءلت صحفية مصرية عما إذا كانت الأحداث الأخيرة في السويداء، والتي شهدت تفاعلات بين عشائر بدوية ودروز في سوريا، تشير إلى ظهور نمط جديد من السياسات الهوياتية في العالم العربي، وهو نمط قد يؤدي إلى إعادة تشكيل هيكل الدولة.

ألمحت الصحفية إلى تلك الصدوع الموجعة والمنعطفات الحاسمة التي تركزت حول الهويات واحتدامها، بدءًا بالحرب الأهلية اللبنانية المأساوية، مرورًا بالعشرية السوداء في الجزائر، وصولًا إلى الصراعات القبلية والمذهبية التي عصفت ببعض الدول العربية في أعقاب "الربيع العربي".

لا يمكن الجزم بأن أحداث السويداء تمثل فصلًا رابعًا في التاريخ المروع للصراعات الطائفية في منطقة الشرق الأوسط، لكنها تثير مخاوف متزايدة لا يمكن تجاهلها، تتجسد في تهديد الوحدة الجغرافية والبشرية لسوريا، ومحاولة تقويض بنيانها السياسي الحالي، وإعادة تنظيم البلاد على أسس فيدرالية، أو إنشاء كيانات منعزلة من شأنها إضعاف سلطة الدولة المركزية.

ومع ذلك، فإن هذه المخاطر لا تقتصر بأي حال من الأحوال على سوريا وحدها، بل تمتد لتشمل منطقة الشرق الأوسط بأسرها، وقد تصل ارتداداتها الخطيرة إلى بلدان المغرب العربي.

إن الاحتكاكات التي شهدتها العلاقة بين العشائر البدوية والدروز، بالإضافة إلى التدخل العسكري الإسرائيلي، ليست مجرد حوادث طائفية عابرة، بل هي بمثابة تجربة لرسم معالم جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، استنادًا إلى الانتماءات الطائفية الضيقة، وإلى إعادة هندسة الدول القائمة، أو بعبارة أدق، هي محاولة جديدة لاتفاقية سايكس بيكو جديدة، تتجاوز التقسيم البريطاني الفرنسي القديم، لتصل إلى ما يمكن وصفه بتقسيم المقسّم وتجزئة المجزأ.

وهذا يعني أننا لسنا بصدد مجرد انفلات طائفي في السويداء، بل أمام ظاهرة أوسع نطاقًا، أو متلازمة شاملة، تهدف إلى إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، ولا يستبعد أن يمتد تأثيرها المدمر إلى دول المغرب العربي.

لذا، سلطت العديد من التحليلات، في القنوات الفضائية العربية الكبرى والصحف العربية المؤثرة، وكذلك المواقع الإخبارية واسعة الانتشار، الضوء على خطورة أحداث السويداء، والتي لا تهدد فقط وحدة سوريا واستقرار نظامها السياسي، بل تسعى أيضًا إلى إعادة تشكيل خرائط المنطقة بأكملها على أسس طائفية أو عرقية أو مذهبية ضيقة.

وأشارت تحليلات عديدة إلى أدبيات إسرائيلية متكررة تدعو إلى إعادة رسم حدود الدول المجاورة لإسرائيل بناءً على اعتبارات طائفية، وإلى دراسات صادرة عن مراكز بحثية نافذة وقريبة من دوائر صنع القرار. وقد انصبت الجهود في البداية على محاولة تطويق الدول العربية الكبرى من قبل إسرائيل، من خلال إقامة علاقات استراتيجية مع دول الجوار، أو ما كان يعرف بنظرية بن غوريون، والتي قامت على التحالف مع إيران في عهد الشاه، وتركيا الكمالية آنذاك، وإثيوبيا في ظل النظام الملكي.

وفي مرحلة لاحقة، تركز الاهتمام على الطوائف داخل الدول العربية بهدف استغلالها لتحقيق أهداف معينة. وقد تم التركيز بشكل خاص على الموارنة في لبنان، حيث قامت إسرائيل، في فترات زمنية مختلفة، بتجنيد عناصر مارونية وإقامة جسور من التواصل والتعاون معهم. ولكن سرعان ما اتسع نطاق الاهتمام ليشمل البنية الطائفية في العالم العربي بأكمله.

الجديد في السياسة الإسرائيلية هو أن هذه المسألة لم تعد مجرد تكهنات لمراكز بحثية أو تخمينات لباحثين، بل أصبحت سياسة دولة معلنة، خاصة فيما يتعلق بدول الجوار، وعلى رأسها سوريا، كما يتضح من خلال المضايقات المستمرة لسوريا وأحداث السويداء، واحتلال المنطقة العازلة مع الجولان، وقصف مناطق في ريف دمشق، بالإضافة إلى الضغط المتزايد على لبنان، وثالثًا الأردن، أو ما يسميه اليمين الإسرائيلي المتطرف "الوطن البديل".

وذلك لأن الشرق الأوسط الجديد الذي طالما دعا إليه نتنياهو، والذي يجد آذانًا صاغية في دوائر صنع القرار في واشنطن، لا يقتصر على "تصفية القضية الفلسطينية"، أي إخلاء فلسطين من الفلسطينيين، بل يهدف إلى رسم شرق أوسط جديد بالكامل على أساس الانتماءات الطائفية.

ليست إسرائيل هي الجهة الوحيدة التي تغذي النزعة الطائفية في منطقة الشرق الأوسط وتدعمها، فقد تبنت الولايات المتحدة بدورها قراءة طائفية للوضع في العراق، قبل حرب عام 2003، بالاعتماد على مرجعيات شيعية وسنية وكردية محددة.

صحيح أن الولايات المتحدة لم تخلق هذا الواقع الطائفي في العراق، ولكنها اعتمدت قراءة موجهة ومختزلة له. فليس كل من ولد شيعيًا يتفق بالضرورة مع المرجعيات الشيعية القائمة، وليس هناك تمايز حتمي بين الانتماء الكردي والسني، وليس كل كردي معاد للإسلام أو مناهض للهوية العربية، كما أن التمايزات الطائفية لم تمنع الامتزاج والاندماج، إما عن طريق الاختلاط أو من خلال الانتماء للوطن، ولا يمكن اختزال العراقيين في هذه الانتماءات الثلاثة المحددة، إذ توجد أقليات أخرى، ومن حق أي مواطن ألا يخضع لأي تصنيف قسري، عقائدي أو إثني، بخلاف انتمائه إلى وطنه الأم.

ولكن هذه كانت البروفة التي دخلت بها الولايات المتحدة إلى العراق لإنهاء حقبة الدكتاتورية ووضع البلاد على مسار الديمقراطية. وقد تم تبني الطائفية بشكل رسمي في دستور عام 2005، وبذلك لم تعد الطائفية في العراق مجرد ظاهرة مجتمعية، بل تم تكريسها دستوريًا، واعتمادها في توزيع السلطات، وبالتالي، تم اعتماد ما يسمى بنظام المحاصصة على المستوى الإداري.

وكان الهدف المعلن هو أن يصبح العراق نموذجًا يحتذى به في التحول الديمقراطي في المنطقة بأسرها. ولكن ما حدث على أرض الواقع كان مناقضًا تمامًا لما كانت تدعيه تلك البروفة الطائفية.

أما اللحظة الثانية التي أعادت إحياء النعرات الطائفية ومنحتها زخمًا جديدًا، فكانت نتيجة لتداعيات "الربيع العربي"، حيث تحولت المطالبات الشعبية العارمة بإنهاء الاستبداد والفساد إلى سيول طائفية جارفة، تركت بصماتها العميقة في التربة السياسية لكل من ليبيا واليمن والسودان.

إن فقدان المناعة لدى العديد من الدول، والذي يتجلى في ضعف الدولة وهشاشة مؤسساتها، وتدهور الخدمات المقدمة، وانتشار الفساد المستشري، وضعف الثقافة الوطنية الجامعة، ومخلفات الاستبداد والقمع، كلها عوامل تؤدي إلى ما يعرف بالدول الفاشلة، وتجعل إمكانية التنميط الطائفي أمرًا واردًا.

هذا بالإضافة إلى سوء إدارة ملف الهويات في مناطق مختلفة من العالم العربي، وبدرجات متفاوتة. حيث يتم التعامل مع الهويات من زاوية أمنية ضيقة، وبمقاربة انفعالية كرد فعل سريع للأحداث المتلاحقة، بدلًا من اعتماد نظرة استشرافية بعيدة المدى، على عكس المقاربة الإسرائيلية التي تعتمد على الجانب الأكاديمي والتحليل المعمق.

لا يوجد مجتمع بمنأى عن التمايزات العرقية أو اللغوية أو المذهبية، ويمكن لهذه المكونات أن تتعايش بسلام في ظل أيديولوجية جامعة أو دولة مدنية قوية، ولكن هذا التعايش نادرًا ما يصمد أمام التدخلات الأجنبية التي تغذي هذه التمايزات وتستغلها. وعندئذ، تتحول هذه المجموعات الهوياتية إلى ما كان يسميه المستشرق الفرنسي ماكسيم رودنسون "الطاعون الطائفي"، الذي يهدد الجسم بأكمله وينذر بالعدوى.

إن ما يغذي هذا الطاعون الطائفي هو التوظيف الأجنبي لهذه الانتماءات، وما يجعله خارج منطق الحوار والتسوية هو حمل الميليشيات المتفرعة عن هذه الطوائف للسلاح. فالأيدي الخارجية والسلاح هما الذراعان الأساسيتان لهذا الوباء المدمر.

ولكن هذا الطاعون لا يستشري إلا في بنية ضعيفة تفتقر إلى المناعة، والمناعة لا تتحقق إلا من خلال إدارة رشيدة للتنوع الهوياتي، وذلك بضمان حقوق الأقليات واحترام خصوصياتها، وتوزيع عادل للرموز الوطنية، وتمثيلها في الهيئات الدستورية والحكومية والإدارية، ومراعاة الخصوصيات المحلية للمناطق المختلفة.

ولا يمكن تحقيق هذه الإدارة الرشيدة إلا في إطار دولة مدنية حقيقية. فالدولة المدنية هي التي تقوم على أساس المواطنة المتساوية، في نصوصها التأسيسية وفي ممارستها اليومية، دون تمييز بين مواطنيها على أساس الدين أو المذهب أو العرق أو اللون أو الأصل أو اللغة.

وما لم تقم العلاقات بين المجموعات الهوياتية المختلفة على أساس المواطنة الكاملة، فإن البلد لن يصمد أمام هذا الطاعون الطائفي الذي يتغذى على التدخلات الخارجية، ويزداد تعقيدًا مع النزعات الميليشياوية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة